الأربعاء، 4 أبريل 2012

من يريد إسقاط الأستاذ؟!


من يريد إسقاط الأستاذ؟!

من يريد إسقاط الأستاذ؟!
من يراقب حركية الإعلام في الشهور الأخيرة، ومن يتتبع التطورات المجتمعية ومستجدات الشأن التربوي في السنوات الماضية، فسيكتشف أن صورة رجل التربية والتعليم قد سقطت من المكانة الرمزية التي كانت فيها. وتقهقرت عن الموقع الاعتباري الذي كانت تحتله. وأحاطها ضباب كثيف في مجتمع فقد بوصلته، فعجز عن تحديد سلم أولوياته.
فأصبح جسد الأستاذ كيسا يطبق فيه بعض التلاميذ آخر ما حصلوه في حصص فنون الحرب، وما استجد من صيحات السب والشتم التي أفرزها القاموس "الزنقوي" الغني باستمرار. كما تطبق عليه الحكومة قراراتها وقوانينها قبل المصادقة عليها وتمريرها إلى القطاعات الأخرى. كما هو الشأن في الاقتطاعات التي مست الرواتب مؤخرا بسبب الإضرابات، مع أن قانون الإضراب لا زال رهن النقاش. أما بعض الموظفين في الوزارة الوصية فيحرصون على تمرير شيء من سلطويتهم المفتقدة على رجل التعليم. فيطبخون القرارات في المكاتب المكيفة، ويصدرون المذكرات في طقس "عسكري" غريب عن مجال التربية والتكوين، ويطلبون التنفيذ في ميدان تكون فيه عواقب التجريب وخيمة. أما بعض وسائل الإعلام فلا تجد هذه الأيام في الأستاذ إلا "مغتصبا للطفولة"، و"قناصا للإضرابات"، و"باحثا عن متعة عابرة"، أو مادة دسمة للفكاهة "الباسلة" (بتسكين السين). يضاف إلى كل ذلك صورة باتت راسخة في التفكير الشعبي المعمم، عن رجل التعليم الذي يكنز الأموال، ويشترك مع زملائه في "براد أتاي" على أرصفة المقاهي، ويوزع أيام الأسبوع بين "عدس" و"صيام" و"زيارة الأهل والأقارب"(...). وليس هذا إلا القليل مما يعيشه من كاد بالأمس أن يكون رسولا، فأصبح اليوم عِرْضا مشاعا تلوكه الأقلام، وموضوعا سائبا بين أيدي من يتطفلون على الإبداع.
غير أن السؤال الحقيقي الذي يُطرح بإلحاح ووضوح في هذا الشأن، هو : من يريد إسقاط صورة الأستاذ في زمن تشتد فيه الحاجة للقيم والقامات، لبناء الحاضر وصنع الأمل في المستقبل، وتعميق الشعور بالمسؤولية وقيم التسامح والمواطنة في بلد نتقاسم جميعا حبه؟!
فهل هي الوزارة الوصية التي أعيتها "سخونية راس" الأساتذة فأرادت أن تجعل همهم في أقسامهم، وتفكيرهم لا يتجاوز العشر الأواخر من كل شهر. لعلهم يلتهون عن مناقشة السلالم والرتب والدرجات، وينصرفون عن تشريح ارتباكات السياسات التربوية على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية؟!
أم هي السلطة، التي لا تزال ترى في الأستاذ طاقة تعبيرية فائضة، ومؤججا للمشاعر ومحركا للاحتجاجات. وفي طليعة المطالبين بالديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان، في وقت توارى فيه المثقفون وراء جدار المصالح المادية و المواقع السياسوية؟!
أم هي اللوبيات المستفيدة من تراجع دور المدرسة العمومية، فأرادوا ضرب رجل التعليم، وهم يعلمون أنه العمود الذي تقوم عليه، والأساس الذي يشد أركانها. فشتتوا شمله بين النقابات ، ووزعوا دمه بين المسؤولين، ونادوا في الناس أن الأستاذ لم يعد كما كان، والمدرسة لم تعد كما كانت؟!
أيها السادة الأفاضل، إن إسقاط "قيمة رجل التربية" هو إسقاط لكل القيم الإيجابية في المجتمع؛ هو إسقاط لقيمة الأسرة، وقيمة العلم والثقافة، وقيمة الكلمة الصادقة.
إن إسقاط "هبة رجل التعليم" في قسمه وفي محيطه؛ هو إسقاط لهبة الأب في البيت، وهبة رجل السلطة في الشارع، وهبة الخطيب في المسجد.
إن إسقاط صورة الأستاذ وتراجع مكانته وتقهقر مهمته التربوية، سيحصد المجتمع بكامله نتائجَه الوخيمة، بانتشار الظواهر السلبية وتفاقم العنف والكراهية، مما نشهد بوادره اليوم بين جحافل المراهقين على نطاق واسع.
أيها الإعلاميون الكرام، إن الظواهر السلبية، ومظاهر الجريمة والانحراف، لا لون مهنيِِا لها. مما يجعل عنوانا مثل: "أستاذ يغتصب..."، "أستاذ يضرب..."، أستاذ ينصب..."، في الصفحات الأولى للجرائد لا يعدو أن يكون إثارة بدون معنى. وإلا فالإنصاف يقتضي أن ينسب كل مجرم إلى مهنته في أخبار الحوادث التي تسوقونها. وبعد ذلك وقبله، لا تنسوا أن أفراد أسرة التربية والتعليم يقعون في طليعة قراء جرائدكم!
أما جلد الأستاذ وجعله مادة للتفكه والإضحاك وملء المساحات التلفزيونية الفارغة، وتنشيط البرامج الفاشلة؛ فليس إلا إمعانا في تأزيم الوضع التعليمي، وتدمير ما تبقى من القيم السامية، التي يجب أن تصل إلى درجة من السمو، بحيث يحاسب ويساءل من يتعرض لها بسوء.
وأخيرا أهمس في آذان السادة الأساتذة ورجال التربية والتعليم، بأن أي تصرف سلبي منكم، أو انحراف في سلوككم تمتد نتائجه إلى الجسد التعليمي بكامله، هذا قدركم وهذه رسالتكم. فعظمتكم من عظمة الأنبياء الذين قد يحق لغيرهم ما لا يحق لهم. وتبقى الأشجار المثمرة أكثر عرضة للقصد والمتابعة، وحتى القذف بالحجارة أحيانا....
فعســــاهم ينتــــهــــون.
Chahidabdelfattah@yahoo.fr

الجمعة، 30 دجنبر 2011

جنسية غلاب وأصول لخريف


جنسية غلاب وأصول لخريف

لمن لا يتذكر هذا الاسم "لخريف"، فهو أحمد لخريف، كاتب الدولة بوزارة الخارجية في بداية عهد حكومة عباس الفاسي، الذي تم طرده من الحكومة بدعوى أنه يحمل جنسية مزدوجة هي الجنسية الإسبانية. ولمن يعود إلى وقائع ذلك الحادث سيكتشف أن بعض الصحف أقامت الدنيا ولم تقعدها منتقدة الولاء المزدوج للخريف، الوزير من أصول صحراوية في حكومة الفاسي، وذهبت إلى حد اتهامه بالخيانة والتآمر على الوطن لأنه يحمل جنسية مزدوجة في منصب وصف آنذاك بالحساس والسيادي...وهلم جرا ! رغم أن الرجل المغمور كان يشغل منصبا مغمورا لا أحد سمع بوجوده لا قبله ولا بعده...
اليوم هناك ثالث شخصية رسمية في الدولة بعد الملك ورئيس الحكومة، وهي شخصية رئيس مجلس النواب، وهو منصب أكثر من حساس وسيادي واستراتيجي... ومن يحتل هذا المنصب اليوم هو رجل يحمل الجنسية المزدوجة، إنه كريم غلاب، الذي انتخب مؤخرا رئيسا لمجلس النواب رغم أنه يحمل الجنسية المزدوجة المغربية والإيطالية. لكن لم يطعن أي كان في انتخابه، كما لم يشكك أي كان في ازدواجية انتمائه وولائه، ولم يتهمه أي كان في وطنيته...
إزدواجية المعايير في هاتين الحالتين تدفع إلى الشك بأن أصول لخريف الصحراوية سبقت جنسيته الإسبانية في طرده من بيت الحكومة، وإلا لماذا لم يطرح نفس السؤال الأخلاقي حول إزدواجية الولاءات والانتماءات على حاملي الجنسية المزدوجة من كبار مسؤولي الدولة من إدريس بنهيمة، الرئيس المدير العام للخطوط الملكية المغربية الحامل للجنسية الفرنسية، إلى مصطفى التراب، الرئيس المدير العام للمجمع الشريف للفوسفاط الحامل للجنسية الأمريكية، مرورا بالوزير المنتهية ولايته عزيز أخنوش، "إمبراطور المحروقات" في المغرب الحامل للجنسية الكندية...وصولا إلى "الإيطالي" كريم غلاب، رئيس مجلس النواب المغربي...وما خفي أعظم !
في الأردن المملكة الهاشمية الصغيرة، والتي لا تختلف عن المغرب في الكثير من النواحي، أصدر ملكها مرسوما يقيل جميع الأشخاص المزدوجي الجنسية من المسؤوليات الحكومية والسيادية وحتى التمثيلية داخل مجلسي الأعيان والأمة... ولو صدر مثل هذا القرار في المغرب لتعطلت أغلب قطاعاتها الإستراتيجية، ولاضطرت البلاد إلى إعادة انتخاب ثلث أعضاء "ممثلي" أمتها تحت قبة البرلمان !

تحليل إخباري: ما خفي وما ظهر في تأخر تشكيل حكومة بنكيران


تحليل إخباري: ما خفي وما ظهر في تأخر تشكيل حكومة بنكيران



تأخر رد القصر على اللائحة التي سلمها عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين، إلى الديون الملكي والتي حملت اقتراحاته بأسماء وزراء حكومته، حمل الكثيرين على الاعتقاد بوجود اعتراض من قبل القصر على بعض الأسماء المقترحة للاستوزار.
تقرير علي أنوزلا
بالنسبة لبنكيران ورفاقه اللذين يعتبرون "غرباء" على طقوس البروتوكول والتقاليد المرعية في مثل هذه المناسبات، فإنهم يجدون أنفسهم أمام تمرين صعب. فلأول مرة يعهد القصر الملكي إلى رئيس حكومة معين بتشكيل الحكومة وبدون تدخل مباشر منه. فحتى في أول تجربة لما سمي بحكومة "التناوب التوافقي"، فقد تدخل القصر وفرض أسماء معينة واشترط بقاء أخرى على رأس حقائب اختارها القصر حتى قبل أن يقبل عبد الرحمن اليوسفي بمهمة تشكيل الحكومة. ومع ذلك فقد استغرق تجميع الأغلبية وتشكيل الحكومة آنذاك 44 يوما وولدت بـ 44 حقيبة وزارية. أما في عهد إدريس جطو فقد كانت تلك أسرع حكومة تشكل في تاريخ المغرب الحديث، عندما خرج جطو من جلسة تعيينه وهو يحمل في جيبه أسماء وزراء حكومته بما فيهم وزراء تم فرضهم على أحزاب لم تكن ترجمعهم بها سوى علاقات عائلية في أحسن الأحوال مثلما حدث مع عادل الدويري وكريم غلاب اللذين فاجأ بهما جطو قيادة حزب "الاستقلال"، التي وجدت نفسها آنذاك في موقع المدافع عن تبرير انتماء الوزيرين إلى أسرتها الاستقلالية وليس مناقشة كيف تم فرضهما على القاعدة الحزبية لتولي الوزارة باسم الحزب الذي لم تكن تجمعهما به سوى علاقاتهما العائلية مع بعض المنتمين إليه. أما حكومة عباس الفاسي فالكل يتذكر أن لائحة وزرائها سلمها المستشار الملكي الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه إلى عباس الفاسي داخل ساحة أحد مساجد فاس ليلة السابع والعشرين من رمضان، وفوجئ عباس كما فوجئ زعماء أغلبيته الحزبية آنذاك بوجود أسماء لا علاقة لها بالأحزاب المكونة للأغلبية تم فرضها عليها للدخول إلى الحكومة باسم تلك الأحزاب التي ابتلع "قادتها" و"مناضليها" ألسنتهم، وقبلوا بالأمر الواقع !
ظل القصر
وحسب المعلومات التي استقاها موقع "لكم" من مصادر متطابقة فإن ظل القصر لم يكن غائبا هذه المرة، وكان حاضرا في جميع مراحل تشكل حكومة بنكيران منذ أن كون أغلبيته. وقد بدا تدخل القصر من خلال الإيعاز لزعيم حزب معروف بعلاقاته مع "دار المخزن"، هو عبد الواحد الراضي، لموقعة حزبه داخل صفوف المعارضة. بينما أشير على حزب "الاستقلال" بشق صفوف "الكتلة الديمقراطية" والالتحاق بالإسلاميين لتشكيل نواة الأغلبية الحكومية المقبلة. وتم الإيعاز لحزب لا يمكن أن يتصرف من ذاته بدون تلقي تعليمات وهو حزب "الحركة الشعبية" للخرج من تحالف أحزاب القصر الذي كان يقوده حزبي "الأصالة والمعاصرة" و"التجمع الوطني للأحرار"، والالتحاق بالأغلبية الجديدة.
وما يدفع إلى الاعتقاد بوقوف القصر وراء رسم الخارطة السياسية الجديدة هو ما كشفت عنه تصرفات "حلفاء" بنكيران في الأغلبية التي
سعى القصر إلى توفيرها له. فما زال رفاق بنكيران يستغربون كيف أن امحاند العنصر، الأمين العام لحزب "الحركة الشعبية"، والذي ظل أربع سنوات يجلس داخل حكومة عباس الفاسي كوزير شكلي بدون حقيبة، "يتجرأ"، ويطلب لنفسه ترأس وزارة الداخلية في حكومة عبد الإله بنكيران ! بل إن مصادر مقربة من الحزب الذي يسهر على تشكيل الحكومة أسرت للموقع بأن العنصر لم يطلب هذه الوزارة في أول مرة تمت مفاتحته في توزيع الحقائب الوزارية، ليعود ويلح في مناسبة ثانية على أن يتولى هو نفسه رآستها، وهو ما فهم من ورائه رفاق بنكيران بأن الرجل تم الإيعاز له من جهة نافذة بأن يكون هو أي شخص آخر على رأس تلك الوزارة حتى يسهل الإشراف عليها من قبل الجهة التي ظلت تشرف عليها منذ أن استقل المغرب.
رقعة الشطرنج المتحركة
المعطى الثاني الذي يدفع إلى الاعتقاد بأن أغلبية بنكيران هي أشبه برقعة شطرنج بقطع متحركة، تجعل بنكيران كمن يلعب "الضامة بالخنافس" كما يقول المثل المغربي الدارج، هو تدبدب مواقف حزب "الاستقلال" وتراجع زعيم حزبه عباس الفاسي، في كل مرة عن تعهداته. وقد بدا لرفاق بنكيران أن الفاسي لايملك من أمره شيئا، عندما فرض عليه اقتراح كريم غلاب ليرشحه لرآسة مجلس النواب. فالكل يعرف أن الفاسي لا يكن الود لكريم غلاب الذي فرض استوزاره على الحزب في حكومة إدريس جطو. وحتى عندما عين الفاسي وزيرا أول عام 2007، كان الحزب يرجح كفة عادل الدويري على كريم غلاب للإستوزار، لكن رغبة القصر رفضت الدويري، وفرضت غلاب وزيرا داخل حكومة الفاسي. وقد سبق لغلاب أن أسر لبعض المقربين منه بأن وزيره الأول وأمين عام حزبه، كان أكثر الناس الذي يضعون له العراقيل داخل وزارته. ولمعرفة سبب قوة كريم غلاب وسبب تمسك القصر به، حتى تم فرضه رئيسا لمجلس النواب وهو صاحب الجنسية المزدوجة المغربية الإيطالية، يجب استحضار جنسية الشركات الكبرى التي استفادت من الصفقات الضخمة التي أبرمت في عهده في المجال الذي كان يشرف على تدبيره، وأغلبها فرنسية، لمعرفة مدى قوة نفوذ هذا اللوبي في تحديد مسارات السياسية الداخلية في المغرب.
لكن موقف عباس الفاسي، وحزبه سينكشف أكثر عندما تم الاتفاق على توزيع الحقائب، وأخبر بنكيران شريكه بأن حزبه يريد الاحتفاظ لنفسه بحقيبة النقل والتجهيز، وتعويض حزب "الاستقلال" عنها بحقيبة الفلاحة والصيد البحري. فطلب الفاسي العودة إلى حزبه لاستشارته، وفي اللقاء الثاني حمل الفاسي الاسم المقترح لوزارة الفلاحة والصيد البحري، مما فسر على أنه قبل المقايضة التي عرضها عليه بنكيران. لكن هذا الأخير سيفاجئ بدعوة مفاجئة لانعقاد اللجنة التنفيذية لحزب "الاستقلال" مساء الأحد الماضي. وحسب ما تسرب عن ذلك الاجتماع، بناء على مصادر متطابقة، فقد طالب الاستقلاليون، بالعودة إلى نقطة الصفر وإعادة النظر في كل ما تم الاتفاق عليه مع رئيس الحكومة المعين. وهنا أثيرت لأول مرة مسألة حرمان الحزب من تولي مناصب وزارية سيادية، ومسألة استرجاع حقيبة التجهيز والنقل. وهو ما اعتبره بعض المراقبين بمثابة ممارسة نوع من الضغط من قبل الاستقلاليين للحصول على تنازلات أكبر من قبل بنكيران. لكن، وحسب المعلومات التي استقاها الموقع من مصادر مطلعة، فإن الاستقلاليين إنما دفعوا من جهة ما للمطالبة بإعادة توزيع الحقائب كي يطالبوا بحقيبة وزارة العدل التي احتفظ بها حزب بنكيران واقترح على رأسها مصطفى الرميد، الذي يبدو أن جهات داخل حكومة القصر لاتريد أن يتولى هذا السياسي المشاكس وزارة حساسة مثل وزارة العدل. وحتى لايبدو أن القصر يتدخل بصفة مباشرة في تفصيل حقائب حكومة بنكيران، فقد تم الإيعاز لحزب محسوب على "دار المخزن" لفرض إرادة القصر وتصريف رغبته.
وكي لايظهر الاعتراض على الرميد، بأنه موقف شخصي من الرجل الذي سبق لوزارة الداخلية أن اعترضت، مباشرة وفي اجتماع رسمي مع قيادة الحزب، على توليه رآسة فريق حزبه النيابي، فقد يتم اللجوء إلى تعويم هذا الاعتراض بوضع فيتوهات أخرى شكلية على أسماء أخرى لتعويم الاعتراض المباشر على شخص مثل الرميد. وهكذا طرحت الصحف بعض الأسماء التي يقال بأن القصر أبدى اعتراضه عليها مثل محمد أوزين، وإدريس مرون عن حزب "الحركة الشعبية"، وكجمولة بنت أبي عن حزب "التقدم والاشتراكية"، وعبد القادر الكيحل وعبد الصمد قيوح وحمدي ولد الرشيد عن حزب "الإستقلال".
وإذا ما تأكدت هذه المعلومات، فإن الأحزاب الثلاثة "الإستقلال" و"الحركة الشعبية" و"التقدم والاشتراكية"، لن يجدوا غدا أي حرج في تقديم اقتراحات بديلة. لكن في حالة حزب "العدالة والتنمية"، فإذا ما تشبث القصر بموقفه الرافض لإستوزار الرميد فإن هذا الموقف سيضع بنكيران في موقف حرج، أمام حزبه أولا وأمام الرأي العام. فالرميد تم انتخابه من قبل المجلس الوطني لحزبه مثله مثل باقي الأسماء التي اقترحها الحزب. ويبدو أن هذا التمرين الديمقراطي داخل حزب "العدالة والتنمية"، أزعج الجهات التي ما زالت تريد أن تفرض إرادتها ولا تقبل من يفرض عليها إرادته حتى لو كانت تعبيرا عن إرادة ديمقراطية...
العودة إلى المربع الأول
ويبقى السيناريو المحتمل في حال تمسك رفاق بنكيران باستوزار رفيقهم الرميد، إما البقاء في حكومة تكشف ضعفهم، أو الاعتذار عن تشكيل الحكومة كما ترسمها جهات خفية تريد أن تبقى هي وحدها المتمسكة بخيوط اللعبة من وراء الكواليس، مما سيحتم الرجوع إلى المربع الأول لإعادة ترتيب الأوراق من جديد...لكن كلفة هذا السيناريو ستكون كبيرة على الصورة التي ما زالت تجتهد وعود الإصلاحات السياسية بتسويقها في الداخل والخارج...
وحتى الآن فإن ما يحصل في المغرب يعتبر امتحانا حقيقيا لصراع بين إرادتين سياسيتين، إرادة تسويق إصلاح سياسي للخارج والداخل، وإرادة سلطة تحكمية لاتريد إحداث قطيعة مع تصرفات ماضيها القريب.

الأربعاء، 13 يوليوز 2011

المواطنة مفهومها ومقوماتها



مع تنامي هاجس التغيير الديموقراطي في المغرب وفي باقي البلدان العربية، اتسع تداول مصطلح (المواطنة) لما يحمله من معاني المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ إن صفة (المواطن) لا تعني فقط الانتساب للوطن، والارتباط به كتابع، وإنما هو بهذه الصفة عنصر فاعل في مختلف المجالات، له كيانه المستقل، وقناعاته الخاصة، ومن حقه أن يعبر بحرية عن آرائه واختياراته الشخصية، وأن يضطلع بدور إيجابي في الحياة العامة.

ولا يستقيم البناء الديموقراطي لأي دولة دون تجلي روح (المواطنة) في علاقات كل فرد (مواطن) بمؤسسات الدولة التي يعد الهدف الأساسي من وجودها هو خدمة (المواطنين) وتوفير ما يحتاجون إليه في حياتهم الفردية والجماعية، من أمن واطمئنان واستقرار، والسهر على تنظيم شؤونهم العامة انطلاقا من خياراتهم، ووفق رغباتهم وحاجاتهم، وفي المقابل يرتبط الأفراد (المواطنون) بالولاء الكامل ل (الوطن) الذي لا يعني مجرد حيز جغرافي، وعلم يرفرف فوق البنايات الرسمية، وإنما يشمل في مفهومه الواسع مجموعة من القيم والمبادئ والقضايا التي تعكس الإرادة العامة للمواطنين.

وسنتناول الموضوع من خلال ثلاثة محاور:

ـ ماهية المواطنة وتطور مفهومها
ـ مقومات المواطنة
ـ التربية على المواطنة

أولا: ماهية المواطنة وتطور مفهومها:


أ _ ماهية المواطنة:

ولتحديد ماهية مصطلح )المواطنة( نرجع إلى أصل الكلمة فنجد أنها بالنسبة للغة العربية من الكلمات المستحدثة ، ودخلت إليها على الأرجح في إطار ترجمة التراث الغربي الحديث، وهي تقابل كلمة (Citizenship) في اللغة الإنجليزية، وكلمة (Citoyenneté) في اللغة الفرنسية، وكلمة (Ciudadania)  في اللغة الإسبانية، ويأتي الاشتقاق من كلمة (City) الإنجليزية، و(Cité) الفرنسية، و (Cuidad) الإسبانية، وتعني هذه الكلمات في اللغات المذكورة المدينة؛ أما أصل مصطلح )المواطنة (فهو يوناني، ويرجع لكلمة (Politeia) المشتقة من كلمة  (Polis)وهي المدينة.

وقد اشتقت كلمة المواطنة في اللغة العربية كما هو واضح من الوطن، وجاء في كتاب لسان العرب لابن منظور أن » الوطن : المنزل الذي تقيم به، وهو موطن الإنسان، ومحله، والجمع أوطان« وتترجم كلمة المواطنة في بعض المعاجم العربية، بأنها الاسم الذي يطلق على حقوق وواجبات المواطن، وكلمة المواطن وفق المفهوم الغربي الذي اشتق منه، هو الفرد الذي ينتمي لدولة معينة، ويقيم  فيها بشكل معتاد ولو لم يولد بها كحالة اكتساب الجنسية، ويحدد الدستور والقوانين العلاقات بين المواطن والدولة وتشمل الحقوق والحريات والامتيازات التي يتمتع بها المواطن، وواجباته ومسؤولياته والتزاماته تجاه وطنه، وبالتالي يمكن القول بأن المواطنة تعني الروابط القانونية والسياسية التي تجمع الفرد المواطن بوطنه.


وقد وجد عدد من الكتاب في كلمتي المواطن والمواطنة ضالتهم لنقد كلمات موجودة في التراث العربي ولا تستقيم مع المفاهيم الديموقراطية الحديثة، وكمثال على ذلك كتاب خالد محمد خالد (مواطنون لا رعايا) وكتاب فهمي هويدي (مواطنون لا ذميون)؛ وأصبحت الكتابات العربية الحديثة بصفة عامة تستعمل (المواطنة) كمصطلح يفيد المشاركة والمسؤولية والمساواة والكرامة في مجتمع ديموقراطي.


وجاء في معجم المجلس الأوربي حول (مصطلحات التربية على المواطنة الديموقراطية) المنجز من طرف (Karen O’shea) «أن المواطن بصفة عامة يطلق على شخص يعيش مع أشخاص آخرين في مجتمع معين »(1) ولا تفرق بعض المراجع الغربية بين المواطنة والجنسية، وتعرف موسوعة )كولير( الأمريكية المواطنة (Citizenship)  بأنها » أكثر أشكال العضوية اكتمالا في جماعة سياسية« (2)؛ وتعرفها دائرة المعارف البريطانية بأنها »علاقة بين فرد ودولة، يحددها قانون هذه الأخيرة، وما تشمله تلك العلاقة من واجبات وحقوق في ذات الدولة ..وتخول للمواطن على وجه العموم حقوقا سياسية مثل حق الانتخاب وتولي المناصب العامة«، وجاء في موسوعة الكتاب الدولي أن المواطنة (Citizenship) هي عضوية كاملة في دولة، أو في بعض وحدات الحكم، وتخول للمواطنين بعض الحقوق كالتصويت وتولي المناصب العامة، وعليهم واجبات كدفع الضرائب والدفاع عن بلدهم )3(.


ب _ تطور مفهوم المواطنة:

ومفهوم المواطنة في العصر الحاضر يجد جذوره في الفلسفة اليونانية وفي الممارسة الديموقراطية البدائية في أثينا، ولو أن تلك الممارسة كانت تقصي النساء والعبيد، فقد كانت تنبني على مبدأ تساوي الذكور الأحرار في اتخاذ القرارات المتعلقة بتدبير الشأن العام، أي التساوي في المشاركة السياسية، الأمر الذي يشكل عنصرا جوهريا في المفهوم الحديث للمواطنة.

ولا نعثر على كلمة (المواطنة) في التراث العربي الإسلامي، غير أن ما تعبر عنه هذه الكلمة في العصر الحاضر، من قيم الحرية والعدل والمساواة والمشاركة والمسؤولية، تعد من المبادئ التي دعا إليها الإسلام، وإن كانت الممارسة السياسية منذ حكم الأمويين لم تتقيد بالمبادئ الإسلامية الصحيحة، كما أن عدم تطوير نظام الشورى، والصراعات الدموية من أجل الاستفراد بالحكم واحتكار السلطة، وغياب حرية النقد السياسي، وانعدام فرص التقويم العقلاني لأساليب تدبير الشأن العام، كل ذلك أدى إلى إبعاد المجتمعات الإسلامية عن تعاليم الإسلام ومقاصده، وحال دون انخراطها في التطور السياسي الذي عرفته شعوب وأمم أخرى، عرفت كيف تستفيد من الحضارتين الإغريقية والرومانية، ومن المبادئ التي ارتكز عليها الإسلام نفسه.


وإذا كانت أوربا الغربية قد عرفت مرحلة من السبات العميق خلال القرون الوسطى، حيث سادت أنظمة من الحكم الفردي المطلق، الذي لا يقيم اعتبارا للمواطنة، فإن الفكر السياسي والقانوني في دائرة الحضارة الغربية منذ القرن الثالث عشر، قام بصياغة مبادئ، واستنباط مؤسسات، وإبداع وتطوير آليات جديدة للحكم، أمكن بعد إدخالها حيز التطبيق بكيفية تدريجية، تأسيس وتنمية نظم حكم قومية مقيدة للسلطة، وتم ذلك من خلال حركات الإصلاح التي لم تتحقق أهدافها دائما بشكل عفوي، أو بخطوات سلسة، وإنما اقترن نضال تلك الحركات بثورات شعبية أتت على نمط الحكم المطلق، الذي يجمع فيه الحاكم الفرد كل السلط، وتتركز بين يديه كل القرارات، وفتحت المجال لقيام الديموقراطية، التي تجعل الشعب هو مصدر السلطات، والإرادة العامة هي مناط الحكم.


وتعد الثورة الفرنسية من أهم تلك الثورات التي عرفتها أوربا،   ومعها عرف مفهوم المواطنة تطورا هاما حيث تمت القطيعة مع الطقوس والعلاقات الفيودالية، وصدر بيان حقوق الإنسان والمواطن سنة 1789، فأصبح مفهوم المواطنة يشمل الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع إقرار مبدأ المساواة أمام القانون، وعدم إقصاء الأقليات أو أي فئة في المجتمع.


وأثرى فلاسفة الأنوار المفاهيم السياسية بمصطلحات جديدة، مثل )المجتمع المدني(، و)الرأي العام(، و )السيادة الوطنية(.. مما ساهم في توسيع مفهوم المواطنة، ليشمل مختلف الأدوار التي يمكن أن يقوم بها الأشخاص المواطنون، وسائر المجالات التي تهم حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأعطى )جان جاك روسو( من خلال مقولته الشهيرة:) الإرادة العامة( مفهوما أوسع للمواطنة يرتكز على تدبير شؤون المجتمع من لدن أشخاص مدنيين فاعلين، والذين هم أساس مشروعية ممارسة السلطة،(4) ويحدد )سييس( صفات المواطن الفاعل من خلال التمثيلية التي تجعل المواطنة لا تنحصر فيمن لهم أهلية الانتخاب، أي أن الذين لم يبلغوا بعد سن التصويت لا تنتفي عنهم صفة المواطنة، وأن المنتخب يمثل الأمة بكاملها خلال ولاية محددة المدة، وتخول المواطنة حق متابعة المؤسسات التمثيلية، ومطالبتها بتحقيق الرغبات العامة، وبذلك لا يكون الأفراد المواطنون مجرد تابعين خاضعين، وإنما مشاركين فاعلين).


ومع تطور الديموقراطية، أصبحت الحقوق التي تخولها المواطنة، كالمشاركة في الحياة السياسية وفي اتخاذ القرارات، ترتبط بحرية تأسيس الأحزاب والنقابات والجمعيات المدنية، وحرية الانتماء إليها، والمشاركة من خلالها في تكوين الرأي العام، وبلورة توجهاته؛ وهنا يتبين الارتباط الوثيق بين المواطنة والديموقراطية، فلا مواطنة دون توفر مقومات النظام الديموقراطي السليم، الذي  يقوم أساسا على سلطة المؤسسات المنبثقة من الشعب، ويضمن الحريات الفردية والجماعية، واحترام حقوق الإنسان، والتعددية الحزبية التلقائية، التي يفرزها اختلاف المصالح، وتعدد وجهات النظر حول أساليب تدبير الشأن العام.


والعلاقة بين المواطنة، والمواطن، والوطن، لا تنحصر في الاشتقاق اللغوي، وإنما تمتد إلى الارتباط الوثيق في المضامين، فلا مجال لتجسيد مفهوم المواطنة بما يعنيه من مشاركة ـ مباشرة أو غير مباشرة ـ في تدبير الشأن العام، ومسؤولية تجاه الوطن، دون وجود مواطن يُدرك بوعي حقوقه وواجباته، في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويشعر بأنه معني بما يجري داخل الفضاء الذي يسمى الوطن، فلا مواطنة بدون مواطن، ولا مواطن بدون ولاء للوطن، وتفاعل إيجابي مع قضاياه، وانخراط حقيقي في شؤونه. وفي العصر الحديث الذي يتميز بالتكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى، بدأت تبرز أشكال جديدة للمواطنة، لا تنحصر فيها روابط المواطن بالدولة التي ينتمي إليها، وإنما تتسع هذه الروابط لتشمل مجموعة من الدول التي تجمع بينها مواثيق لتنسيق وتوحيد مواقفها وبرامجها السياسية والاقتصادية والثقافية، كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الأوربي.


ثانيا: مقومات المواطنة:

من خلال ما تقدم يتبين أن )المواطنة( ليست وضعية جاهزة يمكن تجليها بصورة آلية عندما تتحقق الرغبة في ذلك، وإنما هي سيرورة تاريخية، ودينامية مستمرة، وسلوك يكتسب عندما تتهيأ له الظروف الملائمة، وهي ممارسة في ظل مجموعة من المبادئ والقواعد، وفي إطار مؤسسات وآليات تضمن ترجمة مفهوم المواطنة على أرض الواقع؛ وإذا كان من الطبيعي أن تختلف نسبيا هذه المتطلبات من دولة إلى أخرى، ومن زمن إلى آخر بسبب اختلاف الثقافات والحضارات، والعقائد والقيم، ومستوى النضج السياسي، فإنه لابد من توفر مجموعة من المقومات الأساسية المشتركة، ووجود حد أدنى من الشروط التي يتجلى من خلالها مفهوم المواطنة في الحياة اليومية للمواطنين، وفي علاقاتهم بغيرهم، وبمحيطهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

وفيما يلي نشير إلى أهم المقومات والشروط التي لا مجال للحديث عن المواطنة في غيابها:


1) المساواة وتكافؤ الفرص:

لا تتحقق المواطنة إلا بتساوي جميع المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات، وتتاح أمام الجميع نفس الفرص، ويعني ذلك التساوي أمام القانون الذي هو المرجع الوحيد في تحديد تلك الحقوق والواجبات، وإذا كان التساكن والتعايش والشراكة والتعاون من العناصر الأساسية التي يفترض توفرها بين المشتركين في الانتماء لنفس الوطن، فإنها تهتز وتختل في حالة عدم احترام مبدأ المساواة، مما يؤدي إلى تهديد الاستقرار، لأن كل من يشعر بالحيف، أو الحرمان دون حق مما يتاح لغيره، وتنغلق في وجهه أبواب الإنصاف، يصبح متمردا على قيم المواطنة، ويكون بمثابة قنبلة موقوتة قابلة للانفجار بشكل من الأشكال.

والوطن الذي تتعدد أصول مواطنيه العرقية، وعقائدهم الدينية، وانتماءاتهم الثقافية والسياسية، لا يمكن ضمان وحدته واستقراره إلا على أساس مبدأ المواطنة الذي يرتكز على منظومة قانونية وسياسية واجتماعية وأخلاقية متكاملة، والمساواة كمقوم رئيسي للمواطنة، تعني أنه لا مجال للتمييز بين المواطنين على أساس الجنس، أو اللون، أو الأصل العرقي، أو المعتقد الديني، أو القناعات الفكرية، أو الانتماء والنشاط السياسي والنقابي والجمعوي، واختلاف الفئات وصفاتها وانتماءاتها لا يجعل أيا منها أكثر حظا من غيرها في الحصول على المكاسب والامتيازات، كما لا يكون سببا في انتقاص الحقوق، أو  مبررا للإقصاء والتهميش، وحسن تدبير الاختلاف والتعدد لا يتم إلا في إطار المواطنة التي تضمن حقوق الجميع، وتتيح لكل المواطنين والمواطنات القيام بواجباتهم وتحمل المسؤوليات في وطنهم على أسس متكافئة، وإرساء مبدأ المواطنة في منظومة الروابط والعلاقات التي تجمع بين أبناء الوطن الواحد وبينهم وبين مؤسسات الدولة، لا يمكن أن يقوم على إلغاء الصفات والانتماءات والمعتقدات وغيرها من خصوصيات بعض الفئات، وإنما يقوم على احترامها، وإتاحة أمامها فرص المشاركة في إغناء الوطن وتنمية رصيده الثقافي والحضاري.


ولحماية مبدأ المساواة بين جميع المواطنين والمواطنات داخل المجتمع الذي تتناقض فيه المصالح والأغراض، فإنه لابد من وجود ضمانات قانونية وقضاء مستقل وعادل يتم اللجوء إليه من طرف كل من تعرضت حقوقه للمس أو الانتهاك من لدن الآخرين سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو اعتباريين. والدستور المغربي على غرار معظم الدساتير في العالم ينص على أن » جميع المغاربة سواء أمام القانون« (6)، ويلاحظ أن المشرع استعمل كلمة(المغاربة) عوض (المواطنين والمواطنات) التي تحيل بشكل واضح من الناحية الاصطلاحية على مبدأ المواطنة، كما يلاحظ أن واقع الحياة اليومية في مختلف المجالات ما زالت تعرف الكثير من التجاوزات التي تخل بالمبدأ الدستوري الذي يقر المساواة، وتحول بالتالي دون تجلي قيم المواطنة، ولذلك لا تقف بعض الدساتير في الديموقراطيات الغربية عند حد تسجيل المبدأ، وإنما تذهب إلى أبعد من ذلك لضمان احترامه في الممارسة، مثل الدستور الإيطالي الذي بعد تأكيده على أن » لكل المواطنين نفس القدر من الكرامة الاجتماعية، وهم سواء لدى القانون، دون تمييز في الجنس، أو العرق، أو اللغة، أو الدين، أو الأفكار السياسية، أو الأوضاع الشخصية والاجتماعية« يضع على الدولة مسؤولية »إزالة جميع العوائق الاقتصادية والاجتماعية التي تحد في الواقع من حرية المواطنين والمساواة بينهم، وتحول دون التنمية التامة للشخصية الإنسانية، ودون مشاركة جميع العاملين الفعلية في بنية البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية« .


2) المشاركة في الحياة العامة:

ولا يكفي ضمان المساواة والتكافؤ في القوانين المسطرة، والأنظمة المتبعة، وفي الممارسة، لكي يتجلى مبدأ المواطنة، وإنما لابد كذلك من المشاركة الفعلية للمواطنين والمواطنات في الحياة العامة، الأمر الذي يتطلب توفر استعدادات حقيقية لدى كل المشتركين في الانتماء للوطن، وهذه الاستعدادات لا تتوفر إلا في حدود ضيقة في ظروف قمع الحريات، ومصادرة الفكر المتحرر من التبعية والخنوع، وفي ظل الأنظمة التي تناهض العمل السياسي الذي يحمل رؤية انتقادية، أو موقف معارض للحكام وللسياسات المتبعة؛ ففي مثل هذه الظروف التي تعرفها المجتمعات المتخلفة عموما، ومنها البلاد العربية والإسلامية، يلاحظ انزواء كثير من الكفاءات، وبروز الفردانية، والابتعاد عن المشاركة في الحياة العامة، والنفور من العمل السياسي، وغير ذلك من الظواهر المناقضة للمواطنة، فالأنظمة القمعية، ولو اختفت وراء ديموقراطيات شكلية، مسؤولة عن تقليص فرص المشاركة، ومدمرة لقيم المواطنة؛ ولا يتأتى نمو استعداد المواطنين والمواطنات للمشاركة في الحياة العامة إلا في ظل حرية الفكر والتعبير، وحرية الانتماء والنشاط السياسي والنقابي والجمعوي، وفي إطار الديموقراطية التي يكون فيها الشعب هو صاحب السيادة ومصدرا لجميع السلطات.

والمشاركة في الحياة العامة تعني أن إمكانية ولوج جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية متاحة أمام الجميع دون أي ميز، بدءا من استفادة الأطفال من الحق في التعليم والتكوين والتربية على المواطنة وحقوق الإنسان، واستفادة عموم المواطنات والمواطنين من الخدمات العامة، ومرورا بحرية المبادرة الاقتصادية، وحرية الإبداع الفكري والفني، وحرية النشاط الثقافي والاجتماعي، وانتهاء بحق المشاركة في تدبير الشأن العام بشكل مباشر كتولي المناصب العامة وولوج مواقع القرار، أو بكيفية غير مباشرة كالانخراط بحرية في الأحزاب السياسية، وإبداء الرأي حول السياسات المتبعة، والمشاركة في انتخاب أعضاء المؤسسات التمثيلية على المستوى المحلي والوطني والمهني.


وعندما تتاح الفرص المتكافئة للمشاركة أمام كل الكفاءات والطاقات يكون المجال مفتوحا للتنافس النوعي الذي يضمن فعالية النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويضفي الحيوية على المشهد الوطني، مما يساهم في خلق واقع ينشد التطور المتواصل والارتقاء المستمر. والمشاركة بالمفهوم الواسع المبين أعلاه، تعني توفر فرص الانخراط التلقائي في مختلف مجالات الحياة العامة وحقولها، ولذلك فهي تختلف عن الإشراك الذي ينطوي على مفهوم المنح من سلطة عليا تحكم بأمرها، لرعايا تابعين خاضعين لنفوذها، لأن الإشراك بهذا المعنى يتناقض مع مفهوم المواطنة ويتعارض مع مقوماتها.


3 ) الولاء للوطن:

ويعني الولاء للوطن أن الرابطة التي تجمع المواطن بوطنه تسمو عن العلاقات القبلية والعشائرية والحزبية، ولا خضوع فيها إلا لسيادة القانون، وأن هذه الرابطة لا تنحصر في مجرد الشعور بالانتماء وما يطبع ذلك من عواطف، وإنما تتجلى إلى جانب الارتباط الوجداني، في إدراك واعتقاد المواطن بأن هناك التزامات وواجبات نحو الوطن لا تتحقق المواطنة دون التقيد الطوعي بها.

ولا تتبلور في الواقع صفة المواطن كفرد له حقوق وعليه واجبات، بمجرد توفر ترسانة من القوانين والمؤسسات، التي تتيح للمواطن التمتع بحقوقه والدفاع عنها في مواجهة أي انتهاك، واستردادها إذا سلبت منه، وإنما كذلك بتشبع هذا المواطن بقيم المواطنة وثقافة القانون، التي تعني أن الاحتكام إلى مقتضياته هو الوسيلة الوحيدة للتمتع بالحقوق وحمايتها من الخرق، وبالتالي لا مجال لاستعمال العلاقات الخاصة مع ذوي النفوذ، أو الاحتماء بمركز الفرد في القبيلة أو العشيرة، وهي ظواهر ما زالت حاضرة في الكثير من العقليات والسلوكيات داخل مجتمعنا المغربي والمجتمعات المتخلفة عموما.


ويعني الولاء للوطن شعور كل مواطن بأنه معني بخدمة الوطن، والعمل على تنميته والرفع من شأنه، وحماية مقوماته الدينية واللغوية والثقافية والحضارية، والشعور بالمسؤولية عن المشاركة في تحقيق النفع العام، والالتزام باحترام حقوق وحريات الآخرين، واحترام القوانين التي تنظم علاقات المواطنين فيما بينهم، وعلاقاتهم بمؤسسات الدولة والمجتمع، والمساهمة في حماية جمالية ونظافة المدينة أو القرية التي يقيم بها، وحماية البيئة فيها، والمشاركة في النفقات الجماعية، والانخراط في الدفاع عن القضايا الوطنية، والتضامن مع باقي المواطنين والهيئات والمؤسسات الوطنية في مواجهة الطوارئ والأخطار التي قد تهدد الوطن في أي وقت، والاستعداد للتضحية من أجل حماية استقلال الوطن، والذود عن حياضه، وضمان وحدته الترابية، والارتكاز في ذلك على مبدأ عام  يُفترض أن يربط بين مختلف فئات المواطنين  وهو اعتبار المصالح العليا للوطن فوق كل اعتبار، وأسمى من كل المصالح الذاتية الخاصة والأغراض الفئوية الضيقة.


والولاء للوطن لا ينحصر في المواطنين المقيمين داخل حدود التراب الوطني، وإنما يبقى في وجدان وضمير وسلوك المواطنين الذين تضطرهم الظروف للإقامة في الخارج، لأن مغادرة الوطن لأي سبب من الأسباب، لا تعني التحلل من الالتزامات والمسؤوليات التي تفرضها المواطنة، وتبقى لصيقة بالمواطن تجاه وطنه الأصلي حتى ولو اكتسب الجنسية في دولة أخرى.


ثالثا: التربية على المواطنة:

إذا كان التعلق العاطفي بالوطن يوجد لدى الإنسان بالفطرة، فإن الوعي بمقومات المواطنة، وما يتبعه من إحساس بالمسؤولية، والتزام بالواجبات نحو الوطن، يكتسب بالتعليم والتأهيل، عن طريق الأسرة، والمدرسة، ووسائل الإعلام، والثقافة، والمجتمع، وإذا كانت كل هذه القنوات تتكامل أدوارها في إشباع الأجيال بقيم المواطنة، فإن النتائج لابد وأن تكون ملموسة في تسريع وتيرة ارتقاء المجتمع وتحضره.

وفي ضوء أحكام الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل المعتمدة سنة 1989، فإن الطفل الذي يجب أن يلج المدرسة، وأن يحظى بتنشئة اجتماعية في ظروف جيدة، لا يمكن النظر إليه كمجرد تلميذ ينبغي إعداده لكي يكون مواطنا في المستقبل، فهو مواطن في الأصل، وتربيته على المواطنة تعني تحضيره للمشاركة الفاعلة في خدمة وطنه، وتزويده بالمعارف والمهارات والقيم التي تؤهله لتحمل المسؤوليات في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وتُعده للمساهمة الإيجابية في تطوير المجتمع نحو الأفضل.


وهناك اهتمام متزايد في الدول الديموقراطية في غرب أوربا كفرنسا بموضوع التربية على المواطنة (8) وتأسست لجان للتنسيق على مستوى الاتحاد الأوربي في هذا المجال، سبق أن أعدت برنامج عمل مشترك للتربية على المواطنة الديموقراطية (E.C.D.) يهم الفترة (2001- 2004) وتم التحضير لجعل سنة 2005 سنة أوربية للمواطنة بالتربية (9).


ويحدد المكتب الدولي للتربية (B.I.E. )، أربعة أبعاد للتربية على المواطنة وهي:


حقوق الإنسان: كونية حقوق الإنسان، والمساواة في الكرامة، والانتماء إلى المجتمع.

الديموقراطية: إعداد الفرد للحياة السياسية والمدنية.
التنمية: إكساب اليافعين والشباب الكفاءات والمؤهلات الضرورية لمواكبة التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية لمحيطهم، ومقومات التنمية المستدامة.
السلام: كنتيجة وسيرورة المواطنة المستمدة من حقوق الإنسان، والهادفة للتنمية المستدامة.(10)

ومن أبرز أسباب ومظاهر التخلف في معظم بلدان العالم الثالث، النقص في التربية على المواطنة، وما يترتب عن ذلك من ضعف الإحساس بالمسؤوليات والالتزامات تجاه الوطن؛ وإذا كان من الممكن تبرير اقتران هذه الظاهرة السلبية بأشخاص لم يلجوا المدرسة، أو انقطعوا عنها في مستويات متدنية، فإنه من الغريب أن تقترن بأشخاص يُفترض أنهم من النخبة، بالنظر لمستوياتهم التعليمية، ومواقعهم المهنية والاجتماعية، والتزام الأفراد بمقومات المواطنة يرتبط بالسلوك الحضاري الذي قد يتحلى به أحيانا مواطن عادي ولو لم ينل حظه الكافي من التعليم، وقد لا يتحلى به شخص حاصل على شهادات عليا ومتحمل لإحدى المسؤوليات في الدولة.


ومن المؤسف أن نرى أشخاصا يرددون كلمة المواطنة كشعار، ولا يترجمون في سلوكهم اليومي ما تفرضه المواطنة الحقيقية من واجبات والتزامات، كمن تسيطر عليهم الأنانية الذاتية فيعيشون لأنفسهم فقط، ويعتبرون أن الوطن يجب أن يوفر لهم ما يحتاجون إليه من خدمات عامة متنوعة دون أن يساهموا بأي عمل لصالح هذا الوطن، أو الذين يتهربون من أداء الضرائب، أو يتعمدون الغش في نشاطهم المهني،  أو يستغلون مواقع النفوذ للارتشاء وممارسة المحسوبية والزبونية، وتشجيع الوصولية، أو ينهبون المال العام، أو يستغلون الممتلكات العمومية لمصلحتهم الخاصة، أو يهربون الأموال إلى خارج البلاد، والذين يهمشون اللغة أو اللغات الوطنية، ويعملون على إحلال لغة أجنبية محلها، فلا يستعملونها للتعرف على الثقافات الأجنبية، وللتحاور مع الأجانب، وإنما يستعملونها في حياتهم اليومية، ويتحدثون بها داخل محيطهم الاجتماعي، ومع أبنائهم، وما يتبع ذلك من استلاب وتنكر للقيم وللثقافة الوطنية.


وعندما لا تتوفر وحدة المدرسة، ولا يتلقى أبناء الوطن الواحد نفس التعليم،  فيتوجه أبناء بعض الأسر الميسورة إلى البعثات الأجنبية، بدافع البحث عن الجودة في التعليم، ويتوجه الآخرون إلى التعليم الوطني الرسمي أو الخاص، فإن الآثار المترتبة عن ذلك لا تنحصر في هدم مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، وإنما ينتج عن ذلك أيضا التناقض في السلوك، والتضارب في القيم، لأن التعليم الأجنبي فضلا عن تلقينه باللغة الأجنبية، فهو يغرس في التلميذ قيما ومفاهيم وسلوكيات ترتكز على المرجعية الثقافية للمدرسة الأجنبية التي تلقى تعليمه فيها، ويصبح بعيدا ـ ولو لم يرغب في ذلك ـ عن لغته وثقافته الأصليتين، وتحصل فجوة بينه وبين باقي المواطنين.


ولذلك فإن التربية على المواطنة، فضلا عما تتطلبه من توجيه سليم، وقدوة صالحة، داخل الأسرة والمجتمع، تتوقف على وحدة المدرسة، التي ترتكز على مبدإ أساسي وهو أن التربية والتعليم حق لكل طفل، وتضمن تكافؤ الفرص والمساواة بين جميع أبناء الوطن الواحد، سواء كانوا من أسر ميسورة أو فقيرة، أو كانوا من سكان الحواضر أو البوادي، وتتوحد في تلقين نفس المناهج التي ترتبط بالمحيط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ولا تقتصر على إعطاء التلاميذ مجموعة من المهارات والمعلومات، وإنما تشبعهم بالإضافة إلى ذلك، بقيم المواطنة والديموقراطية وحقوق الإنسان، وتنمي لديهم الإحساس بالمسؤولية، وحب العمل الجماعي، وقبول الاختلاف، والتعايش مع الآخر، وتغذيهم بقيم التسامح، ونبذ العنف والإقصاء، والاعتدال وعدم التطرف، وأخذ المعرفة على أساس النسبية، وتعود التلاميذ على المناقشة والتحليل، واستعمال الفكر، والاحتكام إلى العقل في الاستنتاج، والتمرس بالتعبير عن الرأي، في إطار الحوار المنتج، وتحفزهم على الابتكار والمبادرة الشخصية، وتؤهلهم لولوج عالم المعرفة من أوسع أبوابها، والانفتاح على القيم الإنسانية الكونية.


ولا يمكن تحقيق كل ذلك عن طريق مادة دراسية ضمن برامج التعليم، وإنما يتم ذلك عبر مناهج وطرق التلقين في مختلف المواد، ومن خلال أسلوب تعامل المعلمين والأساتذة والمؤطرين مع التلاميذ، وبمشاركة هؤلاء في اختيار نظام تسيير القسم الدراسي، وتسيير المؤسسة التعليمية بصفة عامة، وذلك بواسطة ممثلين يختارونهم بطريقة ديموقراطية؛ وعندما تتوفر المدرسة بكل الشروط والمواصفات المذكورة، يمكن أن نطلق عليها: (المدرسة المواطنة).


وفي المغرب يلاحظ خلال السنوات الأخيرة، أنه من الناحية النظرية، أصبح موضوع التربية على المواطنة غير غائب عن الاهتمامات الرسمية، ويتجلى ذلك من خلال بعض الخطب الملكية، وبرنامج التربية على حقوق الإنسان بالتعليمين الأساسي والثانوي، وميثاق برلمان الطفل الذي حدد من ضمن أهدافه «التربية على الديموقراطية والمواطنة والتسامح» (11) غير أنه من خلال الواقع الذي تعرفه بلادنا وغيرها من البلدان التي ما زالت تعاني من التخلف، يبدو أن هناك مسافة غير قصيرة ما زالت تفصلنا عن إقامة المدرسة المواطنة، بالشروط والمضامين المبينة أعلاه، لتصبح أبوابها مفتوحة أمام جميع أبناء الوطن دون أي ميز، مع خلق مناخ ثقافي وإعلامي واجتماعي ملائم للتربية على المواطنة، ولا يمكن اجتياز هذه المسافة ببساطة، وإنما تحتاج إلى إرادة قوية وجهد كبير، يرتبط بشكل وثيق بالعمل على إقامة مجتمع ديموقراطي حقيقي.


هوامش:

1) معجم مصطلحات التربية على المواطنة الديموقراطية، عن موقع المجلس الأوربي في شبكة الأنترنيت.
2) أنظر أحمد صدقي الدجاني، مسلمون ومسيحيون في الحضارة العربية الإسلامية، القاهرة، مركز يافا للدراسات والأبحاث، 1999، ص 96.
3) علي خليفة الكواري، دراسة حول مفهوم المواطنة في الدولة الديموقراطية، العدد 30 من سلسلة كتب المستقبل العربي حول الديموقراطية والتنمية الديموقراطية في الوطن العربي، بيروت 2004 ص 93.

4) Luc Ferry et Alain Renaut, philosophie politique de droits de l'homme à l’idée républicaine, P.U.F.1985, p :87.

5) م.س. ص 94,
6) الفصل الخامس من دستور المغرب (1996).
4)   المادة 3 من الدستور الإيطالي.
5)   Dominique Bolliet, L’éducation à la citoyenneté,
(http://www.2.ac-Lyon.fr/enseigne/ses/ecjs/educ-blliet.html.
6)   http://www.edu-int.org/2003-09-fr.
7)   المكتب الدولي للتربية – B.I.E. –http://www.ibe.unesco.org
8)   الفقرة 3 من ميثاق برلمان الطفل.

الثلاثاء، 12 يوليوز 2011

هل فعلا تيفيناغ خط لكتابة اللغة الأمازيغية؟؟؟




جميل أن يعاد فتح موضوع أبجدية "تيفيناغ" و كتابة الأمازيغية  للنقاش العلمي الهادئ،  الموجه للعقل، والمبني على المحاججة المنطقية، بالدليل العلمي و التاريخي و الأركيولوجي و الليسني، بعيدا عن الخطابات الإيديولوجية والكلام الإنشائي التعبوي، الذي يدغدغ العواطف، و يجيشها للحظة من الزمن، إذ لا تلبث أن تهب عليها رياح الحقيقة التاريخية و العلمية لتجعلها قاعا صفصافا.
   و قبل الدخول في نقاش ما هو مهم ، وهو "النبذة العلمية"(1) حول الكتابة الأمازيغية،، كما سماها الأستاذ أحمد سكونتي، و  في إطار التذكير ب"الحسم" في  مسألة حرف كتابة اللغة الأمازيغية سنة 2003 ، وبما سماه "توافق وطني" (2) ، شارك فيه حوالي 35 حزبا سياسيا ، وتحفظ فيه حزبان، وموافقة الملك محمد السادس على ذلك، بعد الرأي الذي تقدم به المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أود أن أشير إلى أن ما قاله الأستاذ أحمد سكونتي ليس جديدا ، بل ما فتئ أحمد عصيد(3) يجتره كلما طرح هذا الموضوع للنقاش، و أعاده العميد أحمد بوكوس في حوار له مع جريدة المساء(4). وهذا ما يتطلب الإشارة والتوضيح لمجموعة من الحيثيات التي لا يجب القفز عنها. ويمكن تفصيل هذا الكل  في  هذا المقال  عبر محورين:


-         " التوافق الوطني حول كتابة اللغة الأمازيغية بأبجدية تيفيناغ

-         في النبذة العلمية والتاريخية لتيفيناغ

"التوافق الوطني" في كتابة اللغة الأمازيغية بتيفيناغ؟

يمكن تناول هذه القضية من خلال الحيثيات التالية :

  -أ-  اعتماد أبجدية من الأبجديات الثلاثة لكتابة اللغة الأمازيغية، في جوهره هو اختيار حضاري

        وثقافي، و يعكس التوجه الإيديولوجي للمدافع عنه . كيف ذلك ؟

1-    الذين يدافعون عن كتابة اللغة الأمازيغية بالحرف العربي ، هم في الحقيقة ، يريدون للغة الأمازيغية أن تنفتح على أهم خزان تراثي مكتوب باللغة الأمازيغية بالحرف العربي ، ويتمثل في العديد من المؤلفات-التي لازال أكثرها مخطوطا-  التي تركها الأمازيغ، علماء و فقهاء ومؤرخين و سياسيين،  في مختلف العلوم و أصناف المعرفة ، والتي تزخر بها المدارس العتيقة و الخزانات الخاصة بمختلف ربوع المغرب. و بالمناسبة ، هذا التراث كل تراث إسلامي قح، و هذا هو العائق الحقيقي أمام رفض الحركة الأمازيغية في التعامل معه ، أو تطوير أية وسيلة قد تساهم في إحياءه و بعثه ، وهي التي نذرت نفسها لإحداث قطيعة مع كل ما يحمل رائعة الإسلام و العربية.

2-    الذين يسعون إلى كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني، الذي يسمونه "كونيا" ، انما يريدون ربط الأمازيغ بكل ما كتب عن الأمازيغية و بالامازيغية و حول الأمازيغ من اسطوغرافيا  و آداب إغريقية ورومانية و بيزنطية قديمة، التي سبق لامبراطورياتها أن احتلت المغرب وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى الدراسات و البحوث في مختلف مجالات المعرفة (التاريخ –الرحالات – الاثنوغرافيا- الجغرافيا- الانتروبولوجيا- السوسيولوجيا- الليسانيات - الآداب..) هذه الأعمال ليست سوى ما راكمته البعثات و اللجن العلمية الاستعمارية ، و الباحثين و الضباط  التابعين للدول التي استعمرت،  أو كانت تسعى إلى استعمار المغرب، كالفرنسيين بالدرجة الأولى، والأسبان و البرتغاليين  و الألمان، ثم البريطانيين و الأمريكان في ما بعد. إذن الهدف هو ربط الأمازيغ بالتراث الاستعماري القديم و الحديث. والقفز عن الثرات الامازيغي المكتوب بالحرف العربي، وإبعاده من متناول الأمازيغ، وذلك تمهيدا لتفكيك ثقافتهم و تدمير هويتهم، لتكون النتيجة تذويبهم في حضارة الغرب الاستعمارية، التي يعتقد المدافعين عن هذا الاختيار أنها كونية و إنسانية.  

3-    اللجوء في الأخير إلى كتابة الأمازيغية بأبجدية تيفيناغ ، هو اختيار لفئة من النخبة المضطرة، التي فضلت الانتحار الثقافي و إقبار نفسها حضاريا، بعدما عملت كل ما بوسعها ، على  فرض اختيار إبادة حضارة الأمازيغ الإسلامية في حضارة الغرب الامبريالية، وإذابة ثقافة الأمازيغ الأصيلة في ثقافة الغرب الاستعمارية. اللجوء إلى تيفيناغ هو اجتثاث للذاكرة و إفراغ للتاريخ الامازيغي من كل محتوياته الثقافية و الحضارية، التي راكمها  في أكثر من ثلاثة ألاف سنة ،حيث لا تراث و لا ثقافة و لا شيء مكتوب بأبجدية تيفيناغ لا قديما (العصور القديمة) ولا حديثا (إلى اليوم). فكل ما اكتشف في القديم لا يتجاوز نقوشا وصورا في مواقع أثرية متفرقة، مازالت دراستها و البحث فيها في مراحله الأولى، ولم يتم بعد تفكيكها ولا قراءتها. وكل ما هو متوفر حديثا من المكتوب بتيفيناغ  لا يتجاوز بعد الكتب المدرسية التي ألفها وطبعها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، خلال العشرية الأخيرة. مع العلم أن أبجدية تيفيناغ الحالية ، ليس هناك ما يتبث علاقتها بالنقوش والرسوم اللوبية القديمة، فالهوة بينهما واضحة ، و القطيعة بينهما ثابتة والمسافة الزمانية شاسعة ، ليس بإمكان الوسائل المتوفرة حاليا تجاوزها. وهذا ما سنعود اليه تاليا في المحور الثاني .   

-ب- لم يكن اعتماد أبجدية تيفيناغ بناء على توافق وطني ، أما استشارة 35 حزبا في ذلك، كما يحب معظم الفاعلين الأمازيغين تضخيم العدد والرفع من رقمه ، وهم الذين لا يخلوا خطابهم من التنقيص والازدراء و النيل من الأحزاب السياسية عامة، وتحفظ حزبين (لاحظ التقليل من الرقم) والحزبين ليسا سوى حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال ، وهما حزبان كبيران، يمكن القول أن هذان الحزبان يستطيعان ترجيح الكفة الجماهيرية لصالحهما، في حالة الموازنة بينهما وبين  الثلاثة و الثلاثين حزبا المتبقية من الخمسة والثلاثين، فإذا ما استثنينا الاتحاد الاشتراكي(و لظروف خاصة)(5) من هذه 33 حزبا ، فلا تكاد أبجيدة تيفيناغ تحصل سوى على تأييد بعض الأحزاب الميكروسكوبية، أو الأحزاب الإدارية ، التي لا رأي لها ، و إنما تأتمر بالإشارات المخزنية، وتبارك كلما يصدر عن السلطات العليا، ولأجل ذلك أنشئت. فهذه هي الصورة الحقيقية "للتوافق الوطني" حول أبجدية تيفيناغ لكتابة اللغة الأمازيغية . وهذا في المحصلة ليس سوى فرضا قسريا وتعسفيا من الفوق، لتوجه التجأت اليه فئة من النخبة الأمازيغية مضطرة بعد فشلها في فرض الحرف اللاتيني لكتابة الأمازيغية.

-ج - اعتماد حرف تيفيناغ لكتابة الأمازيغية اتخذ من طرف مؤسسة ، ولا تتوفر على أي شرعية ديمقراطية أو شعبية، وهي المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، هذه المؤسسة التي تشكلت بمقتضى الفصل التاسع عشر، من الدستور السابق، وهو من الفصول التي تكرس الطابع الثيوقراطي و الاستبداد المطلق للمؤسسة الملكية، و يتبث الجوهر الرجعي و التقليدي العتيق للحكم، والذي كان دائما مثار نقذ لاذع من طرف الفاعلين الامازيغيين،  إلا أنهم سرعان ما تهافتوا على مقاعد المجلس الإداري لهذه المؤسسة، قصد تعيينهم فيها، بمقتضى هذا الفصل، ضاربين بعرض الحائط ما يرفعون من شعارات الديموقراطية والحداثة و حقوق الإنسان، مما يكشف بالملموس أن الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان بالنسبة إليهم ، ليست سوى شعارات ترفع فقط لابتزاز النظام من أجل تمكينهم من المناصب والمنافع .

-د- اعتماد حرف تيفيناغ لكتابة الأمازيغية  ليس اختيارا علميا ولا تربويا ولا حضاريا ، وإنما هو اختيار إيديولوجي ذو أفق سياسي لا غبار عليه، فالجميع يتذكر معركة الحرف ، و الأسلحة الإيديولوجية، والقذائف المصطلحية المستعملة فيها ، ويعلم الجميع أن هذه الأبجدية تم اللجوء إليها بعد سجال فكري و سياسي  و إيديولوجي ، بين تيارين : الأول يدعو إلى كتابة الأمازيغية بالحرف العربي ، الذي يسميه "الأمازيغيون" بالحرف الارمي، إمعانا في نفي صفة العروبة عنه، و إبرازا لعقم العرب وعدم قدرتهم على إبداع أبجدية لكتابة لغتهم . و التيار الثاني الذي يدعو إلى كتابتها بالحرف اللاتيني ، الذي يسميه " الأمازيغ" بالحرف الكوني، إضفاء لصفة الإنسانية عليه، و نزعا لخصوصياته الحضارية الأروبية، وتمهيدا لاعتماده و تعميميه. أما حرف تيفيناغ فصوته المدافعين عنه كان خافتا، ولا يكاد يذكر لقلة عددهم. و لما كان ضغط المنادين بكتابة الأمازيغية بالحرب العربي"ألأرامي" قويا، و ظهر أن كل اتجاه في اعتماد الحرف اللاتيني ، سيفتح المغرب على المصير المجهول، فتم التصويت لصالح حرف تيفيناغ  من طرف الغالبية الساحقة لأعضاء المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، الذين ليسوا سوى مناصري الحرف اللاتيني من ممثلي فصائل الحركة الأمازيغية، الرافضين لكل ما له علاقة بالعربية ولو كان "حرفا أرميا" كما يقولون. وذلك تفاديا للسقوط في ما قد يكون مرفوضا من طرف الملك، الذي لا يمكن أن يقبل بالحرف اللاتيني مطلقا، حسب ما تسرب إلى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من أصداء. و لذلك سار التوجه العام في طريق اعتماد تيفيناغ في المجلس الإداري للمعهد ، وهذا ما صادق عليه الملك محمد السادس. لتكون النتيجة هي اعتماد أبجدية لكتابة الأمازيغية لا يرغب فيها حتى " المدافعين" عن الأمازيغية أنفسهم ، ومرارة هذا الاختيار ، مازال بعض الفاعلين الامازيغيين الذين شاركوا في هذه المعركة يجترونها ، ولعل أحمد عصيد ، في رده على كلام محمد الخليفة عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، في برنامج حوار، خير نموذج لذلك ، حيث أشار أحمد عصيد، بشكل صريح واضح ، إلى أن الأمازيغيين سيكونون سعداء بالعودة إلى كتابة لغتهم بالحرفي الكوني (اللاتيني) (6)، مما يفيد معاكسة بأن الأمازيغ - بمعنى الحركة الأمازيغية، وليس المغاربة الذين يتحدثون بالامازيغية -  ليسوا اليوم سعداء بكتابة لغتهم بأبجدية تيفيناغ .

            وختاما لهذا المحور، يعلم الأستاذ عصيد ، أكثر من الأستاذين الأحمدين سكونتي و بوكوس ، أن جميع الإجراءات التي تتخذ اليوم ل"صالح الأمازيغية"، وفق تصور و توجه أحادي معين،  من طرف الدولة ، وبالضبط من طرف القصر، لا - و لم و ربما لن- تتم بآليات ديموقراطية، تعكس فعلا الإرادة الشعبية، وفق ما هو متعارف عليه في الدول الديمقراطية، مما ستكون له عواقب وخيمة على مستقبل الأمازيغية. فإدماج الأمازيغية في مؤسسات الدولة، و إعادة الاعتبار لها في الحياة العامة، لم يكن قضية و هما جماهيريا تحملها قوى اجتماعية مؤطرة في تنظيمات سياسية تتبنى هذه القضية في مشاريعها المجتمعية و برامجها السياسية، وعندما تصل إلى مواقع صناعة القرار ، من خلال انتخابات نزيهة ، تقوم بتنزيلها وترجمتها في مخططات عملية في قطاعات التعليم و الإعلام والثقافة و الإدارة والقضاء. فهذا ما لم تسطيع الحركة الأمازيغية المغامرة في القيام به والانخراط فيه، لما يتطلبه أولا من التشبع و التمثل الحقيقي لقيم الديمقراطية والحداثة والاختلاف والتعايش مع الأخر، وهذا ما تفتقده، رغم رفعها الدائم وترديدها المستمر لهذه الشعارات . وثانيا  لكلفته الكبيرة وفاتورته الباهضة في بذل الجهود التنظيمية السياسية،و في صياغة المشاريع المجتمعية و بناء البرامج السياسية، وبعد ذلك وقبله العمل الشاق في إقناع الشعب المغربي بتلك البرامج لنيل ثقته، قصد الصعود إلى مركز القرار ، من أجل تنزيل ذلك في الواقع. فالفاعلين الأمازيغيين يفضل الأسلوب غير الديمقراطي  السهل ، المتمثل في خلق قنوات مع مركز صناعة القرار ، لنقل  طروحاتهم وتصوراتهم ، التي يتبناه القصر ، ويقوم بتنزيلها عموديا عبر آلية تقليدية، تحمل كل مواصفات الاستبداد و الحكم الثيوقراطي الشمولي، وهي قناة الفصل التاسع عشر من الدستور سابقا و الفصل اثنان و أربعون لاحقا. وهذه قمة المفارقة والتناقض بين خطاب من يدعو إلى الديمقراطية والحداثة و بناء الدولة المدنية والعلمانية ، وبين سلوكه الانتهازي في توظيف أبشع الآليات الاستبدادية للدولة الدينية الثيوقراطية.  

بقلم الاستاذ : محـمـد أقـديـم

السبت، 9 يوليوز 2011

(تغيير) مفاجئ في النص الرسمي للدستور ليلة الاستفتاء عليه



تعتبر كيفية تشكيل المحكمة الدستورية وآليات تعيين أعضائها من الأدلة التي تشير إلى مدى احترام أي دستور للمبادئ "الديمقراطية"، فكلما ازداد وزن الممثلين لهيئات منتخبة في اختيار أعضاء هذه المحكمة كلما ارتفع مؤشرها الديمقراطي.
النص الأصلي لمشروع الدستور نشر في 17 يونيو 2011 في الجريدة الرسمية رقم 5952 مكرر، و هو النص الرسمي الذي دار حوله النقاش أقل من أسبوعين و نظمت له الحملة الإعلامية بين من يدعو للتصويت بنعم ومن يدعو للتصويت بلا و من يدعو للمقاطعة. إلا أن هذا النص طرأ عليه تغيير مفاجئ ودون سابق إنذار يوم 30 يونيه 2011، أي عشية الاستفتاء. هذا التغيير لا يمكن اعتباره أمرا يسيرا لأنه يتعلق بصلاحيات تعيين رئيس المحكمة الدستورية: فالنص الرسمي الأول للدستور، الذي أجرى الاستفتاء حوله يوم 01 يوليو 2011، نشر في الجريدة الرسمية كما ذكرنا آنفا و في الموقع الرسمي للأمانة العامة للحكومة ، انظر هذا الرابط
http://www.sgg.gov.ma/BO/bulletin/AR/2011/BO5952A.pdf
وخاصة الصفحة 2947 الفصل 42 الفقرة الرابعة و كذلك الصفحة 2961 الفصل 130 الفقرة الرابعة) 17 يونيو 2011. ولكن العدد 5956 من الجريدة الرسمية المؤرخ 30 يونيه 2011 والذي لم يصبح متناولا في نفس الموقع الرسمي على الإنترنت إلا يوم الأربعاء 6 يوليوز 2011 أي بعد الاستفتاء على الصيغة الرسمية الأولى) يتضمن في الصفحة 3106 تغييرات للفصول 42-55-132 من الدستور.
(http://www.sgg.gov.ma/BO/bulletin/AR/2011/BO_5956_Ar.pdf
وهكذا و بعد هذا " التصحيح " للفصل 42 أصبح للملك الصلاحية في تعيين رئيس المحكمة الدستورية بظهير يوقعه وحده، بينما النص الأول كان يمنحه صلاحية التعيين ولكن ظهير التعيين كان يستلزم التوقيع بالعطف من طرف رئيس الحكومة، هذا الإجراء اختفى مع الصيغة المتأخرة والتي لم يصوت عليها أحد، مع ما يترتب عن ذلك من نتائج لكون رئيس الحكومة و هو منتخب ، قد فقد إمكانية إبداء الرأي و ربما التحفظ قبل توقيعه بالعطف على الظهير.